بعثة الرسول الكريم

وبُعِثَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ نبياً لمَّا أتمَّ الأربعين، فآمَنت به خديجةُ، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصِّديق، وزيد بن حارثة، ومعهم عثمانُ بن عفَّان، وطلحة، والزُّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن وقاص، وأبو عبيدة بن الجرَّاح، فأسرَّ دعوتَهُ ثلاثَ سنينَ، ثمَّ أذِنَ اللهُ لنبيِّهِ أن يُجاهِرَ دعوتَه، فلَقيَ من أذى الكفَّارِ وتصدِّيهم لِدينِه أمراً عظيماً، فكانَ أبو طالبٍ يذودُ عنهُ، وتخفِّفُ خديجةُ من حزنه، وتشدُّ من عزيمتِه، وما زالوا على ذلكَ حتَّى ماتا في عامِ الحزنِ

محمد صلّى الله عليه وسلّم

خلق الله سبحانه وتعالى الكون وما فيه من السموات والأرض وخلق الإنسان، من أجل عمارة الأرض والعيش فيها وعبادة الله سبحانه وتعالى وتوحيده وعدم الإشراك به، وبعث الله تعالى الرسل لتبليغ الناس بالديانات السماوية وأيدهم بمعجزات، ليقوموا بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وكان ختام هؤلاء الرسل سيّد الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وأيّده بمعجزة القرآن الكريم، وسوف نقوم بعرض مقتطفات من حياة رسولنا الكريم.

مولده

محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وكنيته أبو القاسم، وهناك عدّة أسماء لرسول الله وهي: محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة وجميعها يدعى بها، ولد سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول من عام الفيل في مكّة المكرمة، يقال أنّه ولد وهو يتيماً، وقامت السيدة حليمة السعدية بإرضاعه، ومكث عندها مدّة أربع سنوات، وبعد ذلك تمت إعادته إلى والدته، وبعد ذلك توفّيت والدته وهو في السادسة من عمره، وبعد وفاة أمه تكفل به جده عبد المطلب، وعندما أصبح في الثامنة من عمره مات جده وكفله عمه أبو طالب بناءً على وصية جده، ووقف معه في المواقف التي تعرّض لها عندما اصطفاه الله سبحانه وتعالى لحمل أمانة نشر الدعوة الإسلامية، فعمل عمّه على مؤازرته والوقوف في وجه من يتعرّض له، إلّا أنّه مات وهو على كفره ولم يعتنق الإسلام.



خلقه

عمل الله سبحانه وتعالى على حماية رسولهه منذ صغره، وصانه من أي دنس قد يمس به وخصه بالخلق الحسن والطهارة، فكان يعرف في قريش بالصادق الأمين لصدقه وأمانته في التعامل مع الآخرين، وجعله من سلاسله شريفة ونقية وخالية من العيوب.



زوجاته

تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأكثر من زوجة، وكانت أول زوجة تزوجها السيدة خديجة وكان عمره خمسة وعشرين عاماً، وبعد وفاة السيدة خديجة تزوج بسودة بنت زمعة، ثم قام بالزواج من عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وهناك العديد من النساء اللواتي تزوجهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورزق بالبنين والبنات.

مرّ رسول الله بمراحل صعبة في حياته وتحمل الأذى والمشقة في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فتعرّض هو أصحابة لأذى قريش، فطلب من أصحابة الهجرة إلى الحبشة لأنه يوجد فيها ملك لا يظلم أحد، وبقي مستمر على نشر الدعوة دون يأس، حتى نصره الله وقام سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم بأداء الأمانة على أكمل وجه ونشر الدعوة في جميع بلاد العالم

بيئة النبيّ قبل البعثة

نشأ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فقيراً يتيماً،[ظ،] في بيئةٍ قد سادت فيها الخرافات والأباطيل، وانتشر فيها الظلم والجهل، فكان الناس يئِدون البنات، ويشربون الخمر، ويعبدون الأوثان من دون الله، فإذا جاع أحدهم أكل ربّه الذي كان يتوجّه إليه بالعبادة، وانتشر أكل الحقوق بينهم، وساد الغنيّ على الفقير، والقويّ على الضعيف، وبقي الناس على ذلك الحال حتى أذن الله أن يخرج فيهم النبيّ يدحض هذه الخرافات ويبطلها، ويؤيّد تحرّك العقل وتحرّره، بالتوحيد بعد كلّ هذه الفوضى.[ظ£]



طفولة النبيّ وتنقّله بين المربين

ولد النبيّ يتيماً، فكفله جده عبد المطلب من لحظة ولادته، فاهتمّ به أيما اهتمام، وكانت آمنة ترضعه، وله مرضعةً أخرى هي السيدة ثويبة، وبالرغم من ذلك فقد رغب جدّه عبد المطلب أن يرسله إلى البادية ليصحّ بدنه فيها كما كانت عادة العرب قديماً، فأمّن عليه مرضعته حليمة السعدية التي مكث عندها أول سنين حياته، ولقد شعرت حليمة بالبركة التي حلّت حولها عند قدوم محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فقدمت له خير الرعاية والاهتمام، ومكث النبيّ -عليه السلام- في كفالة حليمة حتّى نزل جبريل والملائكة بحادثة شقّ الصدر، فخافت عليه فردّته إلى أمّه آمنة، وقد بقي محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- في كنف والدته حتى توفّيت وهو في السادسة من عمره، فعادت كفالته إلى جدّه عبد المطلب مجدّداً، لكنّ النبيّ لم يبقَ مع جدّه إلّا نحو سنتين، حيث توفّي جده وهو في الثامنة من عمره، فكفله عمه أبو طالب الذي قام برعايته على أكرم وجهٍ، حتّى شبّ نبي الله صلّى الله عليه وسلّم

إرهاصات النبوة يوم ميلاد الرسولكانت ولادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حدثاً تاريخياً أضاء الكون بنوره، فشعّ الضياء، حتى أنار قصور الشام، وتمايلت الأصنام، وخرّت على وجوهها، ومن الجدير بالذكر أنّ اليهود كانوا يستفتحون بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- على من جاورهم من المشركين في المدينة قبل ميلاده، فقد كان عندهم علمٌ من التوراة بأنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- سيُبعث من العرب، وقد رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنّها قالت: (كان يهوديٌّ قد سكنَ مكةَ، فلما كانت الليلةُ التي وُلدَ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: يا معشرَ قريشٍ هل وُلدَ فيكم الليلةَ مولودٌ؟ قالوا: لا نعلمُ قال: فإنه وُلدَ في هذه الليلةِ نبيُّ هذه الأمةِ، بين كتفيْه علامةٌ)،[١] ورُوي عن حسّان بن ثابت رضي الله عنه، الذي وُلد في المدينة المنورة، قبل ميلاد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بسبع سنينٍ، أنّه قال: (إني لغلامٌ تبعة ابن سبع سنينٍ أو ثماني سنينٍ، أعقل ما رأيت وسمعت، إذا بيهوديٍ فى يثرب يصرخ ذات غداة يا معشر يهود، فاجتمعوا إليه وأنا أسمع، قالوا: ويلك مالك، قال قد طلع نجم أحمد الذى يولد الليلة)، وكان من إرهاصات النبوة يوم ميلاد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة غرفةً منه، وانخماد نار المجوس التي كانوا يعبدونها، بعد أن بقيت مشتعلةً ألف عامٍ

تاريخ ميلاد الرسول

تعدّدت الأقوال في تاريخ ميلاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن ثمة اتفاقٌ بين جمهور أهل العلم على أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ولد في عام الفيل، ولكنّهم اختلفوا في الشهر، واليوم الذي وُلد فيه، حيث قال بعضهم إنّه وُلد بعد عام الفيل بثلاثين يوماً، ومنهم من قال بأنّه وُلد بعده بأربعين يوماً، ومنهم من قال بأنّه ولد بعده بعدّة أشهرٍ، ومنهم من قال بأنّه ولد بعد عام الفيل بعشر سنينٍ، أو بثلاثٍ وعشرين، أو بثلاثين سنةً، والدليل على أنّ النبي ولد في عام الفيل، ما رواه ابن إسحاق عن قيس بن مخرمة بن المطلب، أنّه قال: (ولدتُ أنا ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ عامَ الفيلِ)،[٣] بالإضافة إلى ما رُوي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أنّه قال: (وُلِد رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ الفيلِ)،[٤] وقد رجّح الذهبي أن يكون سبب الخطأ في قول أنّ ولادة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كانت بعد عام الفيل بثلاثين، أو أربعين عاماً، أنّ القائل أراد أن يقول يوماً، فقال عاماً، ويكاد أن يتحقّق الإجماع بين العلماء على أنّه ولد في عام الفيل، حيث قال ابن القيم في زاد المعاد: (لا خلافٌ أنّه ولد بجوف مكة، وأنّ مولده عام الفيل).[٥]

وأمّا بالنسبة للشهر الذي ولد فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد اتفق جمهور أهل العلم على أنّه شهر ربيع الأول، ولم يخالفهم إلّا قولٌ واحدٌ، وهو أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ولد في رمضان، وقد قال عنه ابن كثيرٍ: (نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار، وهو قولٌ غريبٌ جدًا)، وبالنسبة لتاريخ اليوم الذي وُلد فيه النبي، فإنّ فيه خلافٌ أيضاً، حيث قال البعض أنّه ولد بعد ليلتين خلتا من ربيع الأول، ومن أصحاب ذلك القول ابن عبد البر، والواقدي، وقيل إنّ النبي ولد بعد ثمان ليالٍ من ربيع الأول، وهو ما رواه الحميدي عن ابن حزم، ورواه مالك، ويونس بن يزيد، وعقيل، وغيرهم عن الزهري عن محمدٍ بن جبيرٍ بن مطعمٍ، وقيل إنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ولد بعد عشر ليالٍ من ربيع الأول، ونقله مجالدٌ عن الشعبي، ورواه ابن عساكرٍ عن أبي جعفر الباقر، وقيل بل وُلد النبي بعد اثنتي عشر ليلةً، واستدلّ أصحاب ذلك القول بما رُوي عن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنّهما قالا: (وُلِدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عامَ الفيلِ، يومَ الاثنينِ الثاني عشرَ من ربيعِ الأولِ، وفيه بُعِثَ، وفيه عُرِجَ به إلى السماءِ، وفيه هاجرَ، وفيه مات)، وذلك هو القول المشهور عند جمهور أهل العلم، وممّا يؤكد ولادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يوم الاثنين، ما رواه أبو قتادة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه سُئل عن صيام يوم الاثنين، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ذاك يومٌ وُلدتُ فيه، ويومُ أُنزلَ عليَّ فيه