[align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم
هي فاطمة البتول ، بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ،
وهي زوجة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ،
وهي أم الحسن والحسين ( عليهما السلام ) .
فأبوها هو سيد الأنبياء على نبينا وآله وعليهم أفضل الصلاة والسلام .
وأمها أول من آمن على البسيطة بنبي الله الكريم ، وكانت أحب نسائه إليه بلا مراء .
- ص 76 -
وأما زوجها فهو ولي كل مؤمن ومؤمنة ، ولا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ، حبه إيمان وبغضه كفر ، وهو ابن عم الرسول وسيف الله المسلول ، كاتب الكتائب ، ومظهر العجائب ، أسد الله الليث الغالب ، فارس المشارق والمغارب ، هو الفاروق والصديق الأبر لا يدعيها غيره إلا كاذب ، كما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( 1 ) .
وأما ابناها فهما سيدا شباب أهل الجنة ، كما هو مشهور ( 2 ) .
وأما هي ( عليها السلام ) فهي ، يروي البخاري : " حدثنا موسى بن عوانة ، عن فراس ، عن عامر ، عن مسروق قال : حدثني عائشة أم المؤمنين ، قالت : كنا أزواج النبي [ ( صلى الله عليه وآله ) ] عنده جميعا لم تغادر منا واحدة ، فأقبلت
فاطمة تمشي ، لا والله ما تخرم مشيتها مشية النبي ( ص ) . فلما رآها رحب ، وقال : مرحبا يا بنتي . ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم سارها ، فبكت بكاء شديدا ، فلما رأى حزنها سارها الثانية ، إذ هي تضحك . فقلت لها أنا من بين نسائه :
خصك رسول الله بالسر من بيننا ، ثم أنت تبكين ؟ ! فلما قام رسول الله سألتها : عم سارك ؟ قالت : ما كنت لأفشي على رسول الله سره . فلما توفي قلت لها : عزمت عليك بما لي عليك من الحق ، لما أخبرتني. قالت: أما الآن فنعم . . فأخبرتني
. قالت : أما ما سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة ، وأنه عارضني به العام مرتين ، ولا أرى إلا الأجل قد اقترب ، فاتقي الله واصبري ، فإن نعم السلف أنا لك . قالت : فبكيت بكائي الذي رأيت ، فلما رأى جزعي سارني الثانية . . قال : يا فاطمة ، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو نساء هذه الأمة ؟ " ( 3 ) .
السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها
رَوَى البخاريُّ في صحيحه:
أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قال:
(فَاطِمةُ بِضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أغْضَبَها فَقَدْ أْغْضَبَني)...
مي ابراهيم كتبي
السيدة فاطمة الزهراء رابع بنات سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم من السيدة خديجة رضي الله عنها، و لدت يوم الجمعة الموافق للعشرين من جمادى الآخرة ، و قريش تبني الكعبة،و ذلك قبل البعثة بخمس سنوات ...
كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها شديدة الشبه بأبيها سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، إذ كانت بيضاء البشرة مشربة بحمرة و لها شعر أسود...و عن أم المؤمنين أم سلمى رضي الله عنها أنها قالت كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم أشبه الناس وجهاً برسول الله صلى الله عليه و سلم )) (1).و عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : (( ما رأيت أحداً من خلق الله أشبه حديثاً و كلاماً برسول الله صلى الله عليه و سلم من فاطمة)) (2).
1: فتح الباري 97:7
2:صحيح ابن حبان 403:15 حديث رقم 6953...
مكان ولادة السيدة فاطمة رضي الله عنه
ولدت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عليها في دار والدتها السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها ، تقع هذه الدار بزقاق الحجر بمكة المكرمة و يقال له زقاق العطارين على ما ذكره الأزرقي و تعرف بمولد فاطمة رضي الله عنها لكونها ولدت فيها هي و سائر أولاد خديجة من النبي صلى الله عليه و سلم...
كانت الصفة الغالبة لهذه الدار الطاهرة البساطة ،فقد كانت تحتوي على أربع غرف: ثلاث داخليه منها: واحدة لبناته، و الثانية لزوجه و الثالثة لعبادة ربه و الرابعة بمعزل عنها له و لعموم الناس...و هذه الدار لم تعد معروفة اليوم فقد اختفت في باطن الأرض و انهالت عليها الأنقاض...
أسماء السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها
كان تسميتها فاطمة بإلهام من الله تعالى لأن الله فطمها عن النار! .و اشتقاقها من ((الفطم)) و هو القطع كما قال ابن دريد و منه: فطم الصبي:إذ قطع عنه اللبن. ويقال:لأفطمنك عن كذا أي لأمنعنك عنه.
لعل أشهر الأسماء التي سميت بها هي فاطمة الزهراء، و لكن كان لها تسعة أسماء...و لم يكن إسم فاطمة غريباً عند العرب،فقد كانت زوج أبي طالب و أم علي كرّم الله وجهه تسمى فاطمة،و فاطمة بنت عتبة، وقد أهدى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم حلة استبرق قال اجعلوها خُمُراً بين الفواطم ،فشقت أربعة خمر ، خماراً لفاطمة الزهراء رضي الله عنها، و خماراً لفاطمة بنت أسد أم علي كرّم الله وجهه،و خماراً لفاطمة بنت حمزة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي أمامة، و خماراً لفاطمة بنت عتبة.
و سميت السيدة فاطمة الزهرا رضي الله عنها: الصديقة،و المباركة،و الطاهرة، و الزكية،و الراضية و المرضية و المحدثة، و الزهراء،و كان يطلق عليها أم النبي صلى الله عليه و سلم أو أم أبيها و قد أضاف عليها بعض كتّاب السيرة أنها لُقبت بالبتول...
عن جعفر بن محمد بن علي رضي الله عنه- عن أبيه- قال: ((سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فاطمة:لم سميت الزهراء؟فقال:لأنها كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء،كما يزهر نور الكوكب لأهل الأرض)).
و لقبت بالصديقة، و المباركة،و الطاهرة،و الزكية، و الراضية ،و المرضية:و هي آيات على ما اتسمت به رضي الله عنها من الصدق و البركة و الطهارة و الرضا و الطمأنينة.
و البتول:لأن الله تعالى قطعها عن النساء حسناً و فضلاً و شرفاً،أو لانقطاعها إلى الله...
و لقبت بالبتول تشبيهاً بمريم في المنزلة عند الله..
و سميت بأم أبيها لأن النبي صلى الله عليه و سلم ولد يتيماً ، و لم يجد أباه، ثم ماتت أمه و هو طفل صغير، و كان الرسول صلى الله عليه و سلم يعامل فاطمة رضي الله عنها معاملة الأم، و يخصها بالزيارة عند كل عودة منه إلى المدينة و قد توفيت آمنة بنت وهب و عاش في بيت أبي طالب تحنو عليه فاطمة بنت أسد و تعلق قلبه بها آنذاك بها، و لقد كان يناديها يا أماه، و عندما توفيت حزن عليها حزناً شديداً و رزقه الله فاطمة،و كلما رآها ذكر فاطمة بنت أسد،و تسلى بابنته عنها، و لهذا كناها أم أبيها...و لأنها كانت أصغر بنات الرسول صلى الله عليه و سلم و كانت في البيت وحدها بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها فتولت رعاية الرسول صلى الله عليه و سلم و السهر عليه..
و الألقاب من الأعلام عند النحويين، فيقولون الأعلام ثلاثة أنواع:إسم،و لقب و كنية و كلما كان الإنسان من ذوي المنزلة و المكانة تعددت أسماؤه...
زواج فاطمة الزهراء رضي الله عنها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه
بعد أن أن تزوج سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم من السيدة عائشة بنت الصديق بدأ يصل الى مسامعها تقرب علي بن أبي طالب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم مبدياً رغبته في الزواج بها،و هو ليس بغريب.لقد تربى معها في بيت واحد ، بعد أن أخذه النبي صلى الله عليه و سلم و هو صغير ليخفف مؤونة العيال عن عمه أبي طالب ، و ليرد له جميل صنيعه معه حين تكفل بتربيته بعد وفاة جده عبد المطلب...كان علياً رضوان الله عليه يتوق للإقتران بفاطمة رضي الله عنها ، لكنه ظل محجماً فترة، لأنه لا يدري بم يمهرها، و ليس بيده مال،ثم زاد احجامه ، حين بلغه أن أبا بكر و عمر رضي الله عنهما قد طلبا يد الزهراء، فردهما سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في رفق بالغ...عندما تقدم علي رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه و سلم طالباً يد فاطمة رضي الله عنها، تهلل وجهه صلى الله عليه و سلم ثم تبسم في وجه علي و قالهل عندك شئ يا علي؟
قال علي كرم الله وجهه :لا يا رسول الله، و الله لا يخفى عليك حالي و لا شئ من أمري،غير سيفي و ناضجي...قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: فأين درعك التي أعطيتك يوم كذا؟
قال علي كرم الله وجهه: تقصد درع الحطمية (1) ، هي عندي يا رسول الله.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:فأعطها إياها..
(1) الحطمية :هي الدرع التي تحطم السيوف أي تكسرها...
فانطلق علي كرم الله وجهه مسرعاً ، و جاء بالدرع ، فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبيعها ليجهز العروس بثمنها.
و تقدم عثمان بن عفان رضي الله عنه فاشتراها ، بأربعمائة و سبعين درهماً، حملها علي كرم الله وجه و وضعها أمام المصطفى صلى الله عليه و سلم ، فتناولها بيده الكريمة ثم دفعها الى بلال ليشتري ببعضها طيباً و عطراً...
كان هذا هو مهر فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه و سلم الهاشمية القرشية، درع حطمية .و قد وفقها الله إلى هذا الفتى الشجاع النقي الذي كرم الله وجهه...
الزهراء و الجهاد
لقد كان وجود فاطمة الزهراء رضي الله عنها في قلب المعركة بين الكفر و الإيمان منذ طفولتها، و هو ما جعلها تحيا حياة جادة فلقد نشأت نشأة جادة..و أول مشاركة لها بعد زواجها الجهاد في غزوة أُحُد ، بعدما تأكد لها عزم قريش على الإنتقام من النبي صلى الله عليه و سلم و من آل بيته و أصحابه...
و خرج الكفار للقاء المسلمين و في صدورهم الحقد الدفين،و خرج المسلمون في شوال سنة ثلاث للهجرة.و خرج عدد من النساء ليس قليلاً لمشاركة الرجال في الجهاد و كان من بينهم الزهراء رضي الله عنها...
و بدأت المعركة بين الحق و الباطل بين النور و الظلام ..و شاركت الإبنة البارة رضوان الله عليها بقية النسوة المسلمات في تضميد الجراح، و إعداد الأدوية و نقل الشهداء إلى الجبهات الخلفية،و تهيئة الأطعمة و الأشربة... و انتهت المعركة برفع راية النصر للمسلمين...و عاد الكفار و الحسرة تملأ قلوبهم و لم يستطيعوا أسر رجل واحد من المسلمين ...و هكذا نجد ان فاطمة الزهراء كانت في موقع الأحداث مجاهدة في سبيل الإسلام و في إخماد نار الكفر الآثمة...
مولد الحسن و الحسين رضي الله عنهما
في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، استقبلت الزهراء رضي الله عنها،مولودها الأول.. و زف الخبر السعيد إلى ابيها صلى الله عليه و سلم ،فمشى إليها تملأه الغبطة ، حمل وليدها بين ذراعيه الكريمتين و تلا الآذان في مسامعه...
يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (( لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال:أروني إبني ،ما سميتوه؟)).
قلت : ((سميته حرباً،فقال رسول الله:لا بل الحسن)).و احتفل النبي صلى الله عليه و سلم بمولده،فصنع عقيقة يوم سابعه،و حلق شعره وتصدق بزنة شعره فضة.
كان الحسن رضي الله عنه أشبه خلق الله بالرسول صلى الله عليه و سلم في وجهه.
فقد روى الزهري عن أنس قال: (( الحسن أشبه برسول الله ما بين الصدر إلى الرأس،و الحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه و سلم ما أسفل من ذلك )).
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبه حباً شديداً و ربما جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ساجد في الصلاة فيركب على ظهره ، و يقره على ذلك و يطيل السجود من أجله،و ربما أصعده على المنبر...
عن البراء رضي الله عنه قال: (( رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم واضعاً الحسن بن علي على عاتقه،و هو يقول: (( اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من يحبه))..
في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة،وضعت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وليدها الثاني الحسين رضي الله عنه،طارت البشرة السارة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فهرول المصطفى صلى الله عليه و سلم إلى بيت الزهراء و حمل الوليد بين ذراعيه الكريمتين و أذن صلى الله عليه و سلم في أذنه..ثم سأل علي كرم الله وجهه: (( ما سميتموه؟)).فأجاب علي كرم الله وجهه : (( سميته حرباً.فقال المصطفى صلى الله عليه و سلم بل هو حسين)).و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع حفيديه في قمة العطف و الحنان و الكرم و الرحمة...
وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنها و حزن علي كرم الله وجهه
أصاب السيدة فاطمة الزهراء مرضاً كان السبب في وفاتها ، و لم يطل مقام المرض في جسدها الطاهر طويلاً.و توفيت و هي بنت التاسعة و العشرين ... و قد اختلفت المرويات في تحديد تاريخ وفاتها..لكن الأرجح كان ما رواه المدائني و الواقدي و ابن عبد البر أنها توفيت يوم الإثنين من شهر رمضان سنة إحدى عشر من الهجرة...
قيل أنها كانت قبل وفاتها فرحة مسرورة لعلمها باللحاق بأبيها الذي بشرها أن تكون أول أهل بيته لحوقاً به..
سرى خبر وفاتها في المدينة و اجتمع الناس حول علي كرم الله وجهه و هو جالس ،و الحسن و الحسين رضي الله عنهما يبكيان بين يديه فبكى لبكائهما..
كانت وصية السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها أن تدفن ليلاً بالبقيع،و حملت الزهراء رضي الله عنها إلى مثواها الأخير، في نعش صنعته لها أسماء بنت عميس رضي الله عنها...و كان هذا النعش سريراً ثم يُأتى بجرائد تشد على قوائمه ، ثم يغطى بثوب..و كانت أول من حملت بنعش،و أول من لحقت بالنبي صلى الله عليه و سلم من أهله..حُملت فاطمة الزهراء رضي الله عنها بين دموع العيون و أحزان القلوب، و صلى عليها علي كرم الله وجهه،و نزل في قبرها، ثم وقف على حافة القبر يؤبنها بكلمات تنم عن قلب مفعم بالأحزان على فراقها..و ضم ثرى طيبة جسدها الطاهر كما ضم جثمان أبيها المصطفى صلى الله عليه و سلم و أخواتها الثلاث فيما بعد :زينب و رقية و ام كلثوم رضي الله عنهن..وعاد علي كرم الله وجهه ، محزون القلب دامع العين بعد وداع الحبيبة الغالية الطاهرة ابنة أشرف القوم،عاد الى الى دارهما تملأ الوحشة قلبه ، ثم أحس أن الدنيا على على زوال
و قد أثرت فيه وفاة المصطفى صلى الله عليه و سلم ثم وفاة الزهراء رضي الله عنها فأنشد قائلاً:
أرى علل الدنيا عليّ كثيرة و صاحبها حتى الممات عليل
لكل اجتماع من خليلين فرقة و كل الذي دون الفراق قليل
و إن افتقادي فاطماً بعد أحمد دليل على ألا يدوم الخليل
المراجع:
إنها فاطمة الزهراء ..د. محمد عبده يماني.. [/align]