عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-2007, 05:59 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مشرف

إحصائية العضو








نهى will become famous soon enough

 

نهى غير متصل

 


المنتدى : :: منتدى التراث ::
افتراضي صوت أم كلثوم ينساب من قهوة الغربي لتسمعه النساء الطائفيات

صوت أم كلثوم ينساب من قهوة الغربي لتسمعه النساء الطائفيات

الطائف: ناهد أنديجاني

«أبوية أعطيني العيدية.. اشتري لعبة وهدية»


أهزوجة تتغنى بها الفتيات وهن يلعبن بالأراجيح الخشبية والصناديق التي نصبها كل من العم سراج الزرقي وعبد اللطيف السليماني وصالح بهلول احتفالا بالعيد، وخصلات شعر الصغيرات المنسدلة حتى خصرهن والصبيان معهن يؤرجحون بنات حيهم السليمانية ويمتعون ناظرهن بالساحة الفسيحة المترامية على مدى البصر بجوار مسجد بن عباس رضي الله عنهما، ويوشوشون في أذن بعضهم بموعد لعب المدوان في تلك الساحة (برحة بن عباس) إلا أن هناك من الصبيان فضل برحات أخرى وكانت الأفضلية تبعا لعدد الفوانيس والأتاريك التي تزين برحات حيهم مثل برحة حمام الشفا التركي، آل رجب الصائغ، ابن يحيى، فتنيني، ابن عباس، الزرقي بالفوانيس والأتاريك معبرة عن فرحة العيد.

وحي السليمانية من أشهر أحياء مدينة الطائف وأقدمها وهو يقع بالقرب من باب مسجد ابن عباس من جهة الركن الجنوبي الشرقي داخل السور ويطل على خليج شبرا، يحده من الشرق السور وخليج شبرا وتمام الحد الآن شارع الملك سعود ومستشفى الملك فيصل، ويحده من الغرب حي فوق وجزء من المقابر، ويحده من الشمال الغربي حارة فوق وتمام الحد الى برحة الزرقي وجزء من زقاق الطباخة، ومن الشمال الشرقي حي أسفل، ويحده من الجنوب باب ابن عباس وتمام الحد السور والمقبرة وهو الآن على امتداد الشارع الرئيسي شارع السلامة ثم وادي وج.

والداخل إلى الحي ستتحرك أمعاؤه لا إراديا قبل أن يسيل لعابه من رائحة المندي الصاعدة من مداخن المطابخ (المطاعم) المترامية على أطراف السليمانية، وعندما تقع عيناه على لافتة مكتوب عليها مطبخ سعيد اليماني سيدخل إليها مسحوراً بما يراه من أطباق اللحم الحري مع الأرز والموضوع عليه السمن البري (السليق) أو الأرز بالعدس وعليه أوصال من أطراف لية الخروف والسمن البري (المعدوس) وهي وجبة تعد في فصل الشتاء مع نزول المطر، وبجوار المطبخ دكان الفوال با عبود بمدخله الضيق التي احتلت ثلاثة أرباعه منضدة وضع عليها قدر نحاسي فضي اللون من فوهته يصعد البخار الأبيض، ويقف العم با عبود خلف المنضدة بكبشته ذات اليد الخشبية الطويلة ويحرك الفول في القدر تارة وتارة قدر الهريسة.

وعلى مقربة من دكان الفوال حوانيت متربة الجدران تصنع وتبيع مزاريب المياه، ومداخن المطابخ وغيرها ومن أشهرها حانوت عم محمد الفلسطيني الذي كان صوته يصدح في الحي حتى في الأعياد كي يستنهض همم الصبيان، وتتوزع أكشاك البليلة والكبدة والشكشوكة في أرجاء الحي، فتدغم أصوات القلي بأصوات أصحابها وهم ينادون زبائنهم الصغار مثيرين غريزة الجوع لديهم. والمار بين أزقة الحي التي لا تعرف لغة الصمت ستصادف عيناه بين الحين والآخر السقا النحيل أو كما يطلقون عليه (الرجل العرق)، يسير قادما من البازان وهو حامل على كتفه برميلين صغيرين كحجم تنكة السمن وبها خشبة تربط في الوسط بسلسلة على عود صلب من الخيزران (الزفة) ليروي عطش المارين وأحيانا يضع في دلوه بضع قطرات من ماء الورد ليضيف مذاقا ورائحة تميز مياه الطائف عن غيرها. وعلى زاوية من الحي كانت مجسمة لوحة للصالونات الأدبية والثقافية حينها، مكتوب عليها لافتة قهوة الغربي، رجال قدموا هربا من لهيب شمس مكة المكرمة وتصادقوا مع أهالي الطائف، متخذين القهوة مكانا للدردشة وللمناقشات على اختلافها، جالسين على كراسيها ذات الأرجل والقواعد الخشبية بسطوحها المغزولة من سعف النخيل وتسمى تلك المقاعد بـ (كرويتا).

أما رائحة الشاي بالنعناع فهي تضفي جوا للمكان، شباب كالنحلة في تنقلهم من طاولة لأخرى مرتدين فوطه من القماش القطني مخططة بخطوط متشابكة تربط على خصرهم، ويضعون صينية الشاي على الطاولة الخشبية الفاصلة بين مقعد وآخر وفي منتصفها حفرة دائرية بها شربة، وتشهد القهوة ازدحاما بقدوم الموسيقار طارق عبد الحكيم الذي كان يحي حفلات غنائية في الحي وسرعان ما يردد أهالي الحي أغانيه الشهيرة، لقد كانت برحات الحي مسرحا للفنون الشعبية وملتقى للأدباء والفنانين، وكانت البيوت الطائفية تتسابق في دعوة الفنانات أمثال توحة وعتاب ولطيفة المغربية وابتسام لطفي لإحياء حفلات زواجهم. وكان يسمع صوت المذياع الخشبي من القهوة منسابا من بين البيوت الحجرية متقاربة النوافذ الخشبية (الرواشين) حيث يد الساكن تكاد تمسك من خلالها بيد جاره، وتلتقط آذان نساء الحي الطائفيات اللاتي يجاورن القهوة النغمات الموسيقية والألحان الشجية وهن يحتسين قهوة الزنجبيل أو القهوة الحلوة باللوز البجلي (السحلب) ويعطرن الجو ببخور المستكة ليوهمن أنفسهن بجو رومانسي، و ينتظرن الخميس الأول من كل شهر ليطربن بصوت كوكب الشرق خلسة ويحفظنه ويرددنه بداخلهن.

الدالف يسارا من القهوة سيرى مكتب العمدة درويش قدوري، وهو كغيره من مباني الحي مبني من الطين وبابه خشبي عتيق كبير الحجم، في منتصف المكتب يجلس العمدة مرتديا زيه الحجازي واضعا العمة الذهبية على رأسه، وكان دائما غارقا في عمله، ويكتفي برد السلام وما يلبث أن ينادي لأحد الصبية «واحد شاي بالنعناع» ثم يبدأ بسماع مشاكل الحي من الراوي الذي جاء لينهي أمرا ما لديه.

قبل حلول المغرب كثير من رجال الحي يتوجهون الى برحة حمام الشفا قاصدين الحمام التركي الذي بُني في العهد العثماني وقد تسبب في بنائه محتسب الطائف أحمد خيرة، الحمام كان مبنيا من الحجر والطين ويزين سقفه القباب الكبيرة، يتكون من 4 غرف ذات أبعاد 3 أمتار في مترين ويستقبل الزبون العم حسن سمسم صاحب الحمام ويوجهه إلى الداخل، وكان يجلس الكثير من أهالي الطائف على الدكة التي تعلو فوهة موقد من نار لترفع درجة حرارة الغرفة وتساعدهم للتعرق ولخروج السموم من أجسامهم ثم يأتي دور المشرفين للتدليك وبعدها يتوجهون إلى حمام بارد وكل هذا كان بريالين.

وفي أوائل الثمانينيات الميلادية، أضحت بيوت حي السليمانية أطلالا بالية وعفى جمالها التاريخي، وتحولت برحة ابن عباس بأسواقه وحوانيته إلى مبان حكومية حديثة، كمبنى الدفاع المدني، والبلدية، ومسجد الأمير سلطان الواقع أمام البريد وتحولت ساحات ألعاب العيد إلى ساحة للقصاص لتنفيذ حكم الإعدام بحق المجرمين، وكان يقف السياف بسيفه مكان طلال مداح وطارق عبد الحكيم بعوديهما.





















رد مع اقتباس